لماذا نعود لمن جرحنا؟ تحليل نفسي لدوامة العلاقات السامة
![]() |
| لماذا نعود لمن جرحنا؟ تحليل نفسي لدوامة العلاقات السامة |
كم مرة وجدت نفسك تعود إلى شخص تعرف جيدًا أنه أذاك؟ كم مرة أقسمت أنها النهاية، ثم عدت؟ إن كنت قد اختبرت هذا الشعور، فأنت لست وحدك. ملايين يعيشون داخل دوامة العلاقات السامة، ويكررون نفس النمط المؤلم رغم وعيهم الكامل به. في هذا المقال، سنغوص سويًا في تحليل نفسي عميق لهذا النمط، ونستكشف الطرق العملية للخروج منه.
ما هي العلاقة السامة؟
العلاقة السامة ليست فقط تلك التي تشمل العنف أو الإهانة. بل هي أي علاقة تُشعرك بالضعف، تستنزف طاقتك، وتُضعف احترامك لذاتك. هي علاقة تُغذي الألم أكثر من الفرح، وتتركك حائرًا بدلًا من أن تمنحك الأمان.
لماذا نعود رغم الألم؟
العودة إلى شخص جرحك ليست دائمًا قرارًا واعيًا. بل هي نتيجة تفاعلات نفسية عميقة، منها:
- الإدمان العاطفي: أحيانًا نتعلق بالشعور، لا بالشخص. الألم نفسه يصبح مألوفًا، والدماغ يفرز مواد كيميائية مثل الدوبامين عند أي تفاعل، حتى لو كان مؤذيًا.
- أمل التغيير: نتمسك بصورة قديمة للطرف الآخر، أو نعتقد أنه "قد يتغير" إذا أحببناه أكثر.
- الارتباط بالتجربة الأولى: إذا كانت البداية جميلة، نُخدع بها، ونظل ننتظر أن تعود تلك اللحظة، رغم أنها أصبحت من الماضي.
- الخوف من الوحدة: الوحدة قد تكون أكثر رعبًا من الألم ذاته، فنختار الألم المألوف على الغموض المجهول.
كيف تعمل النفسية داخل العلاقة السامة؟
العلاقات السامة تعمل كدوامة. البداية غالبًا ما تكون مليئة بالحب والاهتمام، ثم يبدأ التلاعب العاطفي (اللوم، الصمت العقابي، الإهمال، الغيرة المفرطة…). الضحية تبدأ في الشك في نفسها، وتسعى أكثر لإرضاء الطرف الآخر، وكلما زاد الألم، زادت المحاولة.
"أسوأ ما في العلاقة السامة ليس الألم، بل الإدمان عليه."
علامات العلاقة السامة
- تشعر أنك تمشي على قشر بيض في وجوده.
- تعيش في حالة من التوتر والقلق المستمر.
- تشعر بالذنب دائمًا حتى دون سبب منطقي.
- أفعالك لا تُقدّر مهما كانت.
- دائمًا ما تعتذر حتى عن أخطاء لم ترتكبها.
لماذا لا نتخذ قرار المغادرة بسهولة؟
القرار العقلي لا يكفي. فنحن نرتبط عاطفيًا، وجسديًا، ونفسيًا. العلاقة السامة تخلق روابط معقدة، منها:
- الارتباط المؤلم (Trauma Bonding): حيث يتناوب الأذى مع الحب، مما يجعل الضحية تشعر بالتعلق أكثر، كأنها بحاجة للقبول من المؤذي ذاته.
- ضعف تقدير الذات: تبدأ في الاعتقاد أنك لا تستحق أفضل من هذه العلاقة.
- الاعتياد: الألم يصبح منطقة الراحة، لأن الخروج منها يتطلب شجاعة ومواجهة.
المرحلة الأخطر: التبرير المستمر
نبرر سلوك من نحب، حتى لو كان واضحًا في أذيته. نقول "هو مضغوط"، "كانت زلة"، "لكنه يحبني". التبرير هو الوقود الذي يُبقي العلاقة السامة حية.
كيف نكسر الدوامة؟
١. الاعتراف أن العلاقة سامة
الاعتراف هو أول خطوة للشفاء. توقف عن تزييف الواقع، وعن اختلاق الأعذار.
٢. لا تنتظر الاعتذار أو التغيير
في العلاقات السامة، ننتظر أن يتغير الطرف الآخر، أو أن يعتذر ويصلح ما أفسده. لكن هذا الانتظار نادرًا ما يأتي بنتيجة. القرار بيدك، لا بيده.
٣. ضع حدودًا واضحة
الحدود تعني قول "لا". لا للتلاعب، لا للتقليل من شأنك، لا للمسامحة غير المشروطة.
٤. ابحث عن الدعم
تحدث مع أصدقاء موثوقين، أو معالج نفسي. لا تمر بهذا وحدك. الدعم يساعدك على استعادة قوتك ورؤيتك لنفسك من جديد.
٥. ابدأ رحلة التعافي
اقرأ. اكتب مشاعرك. مارس التأمل. أعد اكتشاف نفسك خارج هذه العلاقة. اجعل الانفصال بداية لا نهاية.
هل يمكن أن نُشفى؟
نعم. التعافي ليس فقط ممكنًا، بل هو حتمي إن قررت أن تستعيد نفسك. ستتألم، ستشتاق، لكنك ستنجو. وفي يومٍ ما، ستشكر نفسك لأنك خرجت من تلك الدوامة.
رسالة أخيرة لك:
أنت لست ما عشته. لست الألم الذي اعتدت عليه. لست الكلمة التي جُرحت بها، ولا اللمسة التي خذلتك. أنت تستحق علاقة تبنيك، لا تكسر ما تبقى منك.
أخرج من الدوامة، ولا تعد.
