جيل بلا تركيز: كيف دمّرت الشاشات عقولنا دون أن نشعر؟
بقلم: أرافاز | قسم علم النفس الرقمي
منذ عقدين فقط، كان التركيز مهارة طبيعية يمتلكها الجميع. اليوم، أصبح التركيز عملة نادرة. نحن نعيش في عصر الانتباه المكسور، حيث تُشعل الإشعارات كل ثانية، وتتحول أدمغتنا إلى مسرح من الفوضى الرقمية. السؤال الذي لم نجرؤ على طرحه: هل نحن ما زلنا نتحكم في الشاشات… أم أصبحت الشاشات تتحكم فينا؟
🔹 بداية الانهيار الصامت
بدأ كل شيء حين انتقلنا من الهاتف إلى الهاتف الذكي، ومن التلفاز إلى الفيديو القصير. المحتوى أصبح أسرع من قدرتنا على التفكير، والدماغ — في محاولة للتأقلم — اختصر آليات التركيز الطويل لصالح الإثارة السريعة. وهكذا وُلد جيل “التمرير اللانهائي”.
📱 كيف تغيّر الدماغ؟
علم الأعصاب يثبت أن الدماغ يتكيّف مع بيئته. ومع الوقت، كلما قلّت فترات التركيز الطويل، تضعف الشبكات العصبية المسؤولة عن الصبر والتحليل. دراسات من جامعة ستانفورد تؤكد أن الإفراط في استخدام الشاشات يقلل من كفاءة الفصّ الجبهي، وهو الجزء المسؤول عن اتخاذ القرار والانتباه العميق.
💣 وسائل التواصل... أكبر مصنع لتشتّت الانتباه
المنصات الاجتماعية صُمّمت لتسرق وقتك. الألوان، الأصوات، الإشعارات — كلها عناصر تُحفّز الدوبامين وتجعل الدماغ يطلب المزيد. وهكذا، كل ضغطة إعجاب تُصبح مكافأة عصبية. ومع مرور الوقت، تتكوّن حلقة إدمان عصبية تُشبه تمامًا إدمان المقامرة.
🧠 جيل “الملل السريع”
جيل اليوم لا يحتمل الصمت. عشر ثوانٍ دون شاشة تُشعره بالضياع. الأطفال أصبحوا أقل قدرة على القراءة أو الحفظ، والبالغون يجدون صعوبة في إنهاء مقال أو محاضرة كاملة. نحن نعيش في عالم يُكافئ السرعة ويعاقب التركيز.
🎯 من المسؤول؟
قد نلوم الشركات، لكن الحقيقة أن المستخدم نفسه جزء من المنظومة. كل مرة نختار فيها الترفيه اللحظي بدل التفكير، ندرّب أدمغتنا على السطحية. لم تعد المشكلة في التقنية بحد ذاتها، بل في طريقة استخدامنا لها دون وعي.
🩺 هل هناك علاج؟
العلاج يبدأ بإعادة ضبط الدماغ. ديتوكس رقمي ليوم واحد أسبوعيًا يمكن أن يُحدث فرقًا حقيقيًا. قراءة الكتب الورقية، الجلوس في الطبيعة، الصمت الواعي — كلها أنشطة تعيد تنشيط المسارات العصبية المسؤولة عن التركيز.
🚨 تحذير من علماء النفس
يحذر الخبراء من أن الأجيال القادمة قد تفقد القدرة على التعاطف والتركيز تمامًا إن استمرت هذه الوتيرة. “إنه ليس تراجعًا في الذكاء، بل في الانتباه”، كما تقول د. ليلى حجازي، أخصائية علم النفس العصبي. “عقولنا لم تُخلق لمعالجة 100 معلومة في الدقيقة”.
🧩 في الختام
الشاشات ليست شرًّا في ذاتها، لكنها تُصبح كذلك حين نُسلّم لها زمام عقولنا. نحن لا نخسر وقتنا فحسب، بل نخسر هدوءنا الداخلي، وذاكرتنا، وقدرتنا على التفكير العميق. السؤال الذي يجب أن نطرحه الآن ليس: كم من الوقت نقضيه أمام الشاشة؟ بل: كم بقي منّا خارجها؟
📎 المصادر:
American Psychological Association – دراسات حول الانتباه الرقمي
Nature – أبحاث علمية عن تأثير الوسائط المتعددة على الدماغ
