عقول مشوشة: كيف دمّرت تعددية المهام قدرتنا على التركيز؟

 

نظن أننا ننجز أكثر حين نفعل كل شيء في وقت واحد، لكن الحقيقة أن تعددية المهام تُضعف الذاكرة وتستنزف التركيز وتزيد التوتر. هذا المقال يكشف كيف تحولت العادة اليومية إلى كارثة عقلية صامتة تسرق طاقتنا دون أن نشعر.

عقول مشوشة: كيف دمّرت تعددية المهام قدرتنا على التركيز؟

بقلم: أرافاز | قسم علم الأعصاب والسلوك النفسي

في عصر السرعة والاتصال الدائم، أصبحنا نعيش في سباق لا ينتهي مع المهام المتعددة. نكتب رسالة، نتابع إشعارًا، نسمع موسيقى، ونفتح أكثر من نافذة في الوقت نفسه. نظن أننا ننجز أكثر، لكن الحقيقة مختلفة تمامًا: نحن نُدمر أدمغتنا دون أن نلاحظ.

⚡ وهم الإنتاجية الزائفة

تعددية المهام، أو ما يُعرف بـMultitasking، ليست قدرة خارقة كما يعتقد الكثيرون، بل هي شكل من أشكال التشتت المزمن. تُظهر الدراسات الحديثة أن الدماغ لا يمكنه التركيز على أكثر من مهمة واحدة في الوقت ذاته. كل ما يحدث هو أنه ينتقل بسرعة بين المهام، مما يستهلك طاقة ذهنية هائلة ويُضعف الكفاءة.

🧠 ما الذي يحدث داخل الدماغ؟

عندما نحاول القيام بعدة أشياء في وقت واحد، يتدخل الفص الجبهي — الجزء المسؤول عن اتخاذ القرار والتركيز — بشكل مستمر للتبديل بين المهام. كل مرة ننتقل فيها من مهمة إلى أخرى، يُطلق الدماغ هرمون التوتر الكورتيزول، مما يخلق شعورًا بالقلق والضغط. النتيجة؟ إجهاد عصبي، ضعف في الذاكرة قصيرة المدى، وانخفاض في القدرة على اتخاذ القرارات بوضوح.

📱 التكنولوجيا… المصدر الأول للتشويش

الهاتف الذكي جعل من التشتت عادة لا إرادية. إشعارات الرسائل، الإعلانات، والمقاطع القصيرة تُعيد برمجة الدماغ على البحث الدائم عن الجديد. ومع مرور الوقت، يتوقف العقل عن القدرة على التركيز لفترات طويلة، فيُصاب بما يُعرف بـمتلازمة الانتباه الممزق.

📉 نتائج مذهلة ومقلقة

وفقًا لدراسة من جامعة ستانفورد، الأشخاص الذين يمارسون تعددية المهام الرقمية لديهم أداء أسوأ في اختبارات الذاكرة والانتباه مقارنة بمن يركزون على مهمة واحدة. بل إن عقولهم تُظهر نشاطًا عشوائيًا في صور الرنين المغناطيسي، ما يدل على أن الدماغ يفقد قدرته على التنظيم الداخلي.

💭 لماذا نحب الشعور بالانشغال؟

يقول علماء النفس إن الدماغ يُكافأ على الشعور بالإنجاز حتى لو كان زائفًا. كل مرة ننتقل فيها من تطبيق إلى آخر، نحصل على دفعة صغيرة من الدوبامين، هرمون المتعة، مما يجعلنا نظن أننا ننجز. لكن في الواقع، نحن نُغرق أنفسنا في فوضى عقلية تُشبه الإدمان السلوكي.

🧩 فقدان “العمق الذهني”

التركيز العميق — القدرة على التفكير الطويل في فكرة واحدة — أصبح مهارة نادرة. كانت هذه القدرة أساس الإبداع والاختراع، لكنها اليوم تُستبدل بالسطحية والإجابات السريعة. الدماغ الذي لا يتعمق يفقد قدرته على الإبداع، تمامًا كما يفقد العضو غير المستخدم قوته مع الوقت.

🌙 كيف نستعيد قدرتنا على التركيز؟

  • مارس ما يُعرف بـالعمل الأحادي (Single Tasking) — ركز على مهمة واحدة فقط في كل مرة.
  • استخدم تقنية Pomodoro: 25 دقيقة من العمل المركز ثم 5 دقائق راحة.
  • أغلق الإشعارات تمامًا أثناء العمل.
  • تدرب على القراءة الطويلة — صفحة تلو الأخرى دون انقطاع.
  • احترم لحظات الصمت، فهي تعيد تنظيم الدماغ وتمنحه طاقة جديدة.

💬 من منظور علم النفس

يعتبر علماء النفس أن تعددية المهام أحد مظاهر “القلق الاجتماعي الحديث”. فنحن نخشى أن نتخلف عن العالم، فنحاول متابعة كل شيء. لكن المفارقة أن هذا السلوك يجعلنا نعيش في حالة دائمة من التشتت وعدم الرضا، كأننا نعمل كثيرًا ولا ننجز شيئًا.

🔍 في الختام

لسنا مصممين لنعيش بهذا الشكل المزدوج. الدماغ يحتاج إلى تسلسل، لا فوضى. والإنجاز الحقيقي لا يأتي من كثرة المهام، بل من التركيز الكامل في مهمة واحدة. لقد آن الأوان لنعود إلى البساطة الذهنية — أن نتعلم من جديد فن التركيز في عالمٍ يُغرقنا بالضجيج.

❓الأسئلة الشائعة حول تعددية المهام

1. هل يمكن لبعض الأشخاص القيام بعدة مهام بنجاح؟

الدراسات تؤكد أن ما يُسمى "القدرة على تعددية المهام" هو وهم. حتى من يبدون قادرين عليها، يعانون من تراجع الأداء العقلي على المدى الطويل.

2. ما هي العلامات التي تدل على أنني أعاني من تشتت مزمن؟

نسيان التفاصيل، التوتر السريع، العجز عن التركيز لأكثر من 10 دقائق، والإحساس الدائم بالانشغال دون إنجاز فعلي.

3. كيف يمكنني تدريب نفسي على التركيز؟

ابدأ بتقنيات التركيز البسيطة مثل القراءة دون مقاطعة، كتابة المهام على ورق، وممارسة التأمل يوميًا لدقائق معدودة.

4. هل استخدام الهاتف الذكي هو السبب الوحيد؟

ليس وحده، لكنه الأكثر تأثيرًا. التلفاز، الإعلانات، وأجواء العمل السريعة كلها تساهم في خلق بيئة مشتتة.

5. هل يمكن عكس آثار تعددية المهام؟

نعم، فالدماغ يمتلك قدرة على التكيف العصبي. مع الوقت والانضباط، يمكن استعادة التركيز والهدوء الذهني تدريجيًا.


📎 المصادر:
جامعة ستانفورد – دراسات عن تعددية المهام الرقمية
American Psychological Association – تقارير عن التشتت والانتباه
Psychology Today – مقالات حول أثر التكنولوجيا على التركيز

أحدث أقدم

نموذج الاتصال

🌸 شبكة أراباز — مواقعنا الأخرى

تابع المزيد من المواضيع المفيدة على مواقعنا التالية: